إن الأدب الأندلسی أدب یرتقی إلى أن یکون إبداعاً قل مثیله لما تمتع به من حاضنة مثالیة فی ذلک العصر على مختلف المستویات ، فبرز شعراء کثیرون أطربوا الناس بشعرهم وکانوا مجددین فی خطابهم الأسلوبی ؛ لذا استحق أن یکون محط أنظار الدارسین ، تحلیلاً ونقداً ، وکل ذلک بنی على أساسه اختیار موضوع البحث المعنون بـ ( التجدید الأسلوبی فی الخطاب الشعری عند ابن عبد ربه الأندلسی (246 – 328ه) ، وقد تم اختیار هذا الشاعر بالذات ؛ لأنه امتاز بالتجدید الأسلوبی وقد حظی بمکانة مرموقة فی التاریخ وقیل عنه الکثیر ، منه قول ابن خاقان قوله : " أخبرنی بعض العِلیة أن الخطیب أبا الولید بن عبّاد حجّ فلما انصرف تطلّع إلى لقاء المتنبی واستشرف ، ورأى أن لُقیاه فائدة یَکتسِبُها، وحُلَّة فخر لا یَحتسِبُها، فصار إلیه فوجده فی مسجد عمرو بن العاص ففاوضه قلیلاً ، ثم قال : أنشدنی لملیح الأندلس، ویعنی ابن عبد ربّه، فأنشده :    یا لُؤلؤا یَسْبی العُقُول أنِیقَا ...    وَرَشاً بتقطـــــــیعِ القُلُوبِ رَفِیقَا   ما إنْ رأیتُ ولا سَمِعْتُ بِمِثْلِهِ ...  دُرَّاً یعودُ من الحیاء عَقِــــــــــــــیقَا    وإذا نظرتَ إلى محاسن وَجْههِ ... أبْصَرْتَ وجهکَ فی سناه غَرِیقَا      یا من تَقَطّع خِضْره من رِقَّةٍ ...   ما بالُ قَلْبِکَ لا یکــــــــــــــــون رَقِیقَافلما أکمل إنشاده، استعاده منه ، وقال : یا ابن عبد ربّه لقد تأتیک العراق حبواً " "  .      وشعر ابن عبد ربه لا یلتزم اتجاهاً واحداً من تلک الاتجاهات التی کانت معروفة فی عهده . وإنما هو شعر یسیر فی أکثر تلک الاتجاهات ؛ ولکن بلا فقدان لشخصیة الشاعر أو انمحاء لملامحه الخاصة بل مع ظهور شخصیة متمیزة ذات ملامح واضحة ؛ فابن عبد ربه شاعر قد مد الله فی أجله ، فعاصر مدارس عدة وشاهد اتجاهات مختلفة ، ثم هو قد کان رجلاً محباً للقراءة ، مکثراً من تتبع الأسالیب ، ومن هنا کانت حصیلته الأدبیة غنیة . ومعرفته بکل الاتجاهات دقیقة فإذا صادف ذلک کله طبعاً متخیراً وملکة متحررة کانت النتیجة تنقلاً بین کل الأغصان وتغریداً لکل الألحان فهو رجل یسیر بشعره فی الاتجاه المحافظ حیناً وفی الاتجاه المحدث أحیاناً ، ثم هو یشارک فی الأخذ بالاتجاه الشعبی ، ویسابق المتجهین إلى المذهب المحافظ الجدید ، فقد کان یغلب على شعره بعد نضجه  .