أبو بکر الشبلی: دراسـة فی أصـول تصـوفـه
الملخص
اتسمت الحضارة الإسلامیة بأصالة التکوین والتطور. وتشکل ظاهرة التصوف بعداً حیویاً فی ذلک التکوین الحضاری. ومن هنا، تظهر أهمیة دراسة تراجم الصوفیة بوصفهم الأعمدة الإیمانیة فی نشوء التصوف الإسلامی. ولعل الصوفی أبو بکر الشبلی یعد احد تلک الأعمدة فی ذلک البناء الإیمانی. وعلیه، فقد تناول البحث دراسة أصول تصوفه، وبغیة تحقیق ذک فقد اشتمل البحث على أربعة محاور. تناول المحور الأول، سیرة الشبلی وتکوینه الصوفی، وذلک من خلال اکتسابه الفکری لعلوم القرآن الکریم والسنة النبویة الشریفة، مما ساعد فی تشکیل الأرضیة الرصینة فی فهمه لمعنى التصوف. کما شکلت بغداد عاصمة الخلافة الإسلامیة فی العصر العباسی المکان الأمثل لنمو وتطور وعیه الصوفی، إذ کانت بدایة تکوینه الصوفی على ید الصوفی الجنید البغدادی (ت: 298هـ-910م). وتلازمت صفات الشبلی الفکریة المستندة على الشریعة الإسلامیة مع توجهه الصوفی مما جعله علماً بارزاً فی مدرسة العراق الصوفیة فی کیفیة فهم وتفسیر الآیات القرآنیة الکریمة والأحادیث النبویة الشرفة من خلال حلقات المناظرات التی حرص على مناقشة الآخرین بهدف إقناعهم بسداد الآراء الصوفیة المرتکزة على أسس الشریعة الإسلامیة. وتضمن المحور الثانی، أبعاد التصوف فی منظور الشبلی، إذ جرى تحدید تلک الأبعاد، والمتمثلة بالتوبة بوصفها أولى الخطوات فی التجربة الصوفیة، إذ تضمنت التوبة الاعتراف بالخطایا والذنوب مع القصد الحازم بالتخلی عنها من خلال الإنابة إلى (الله تعالى)، ثم الذکر بوصفه احد أهم أبعاد التصوف، والذی لا یقتصر على الذکر باللسان، بل یتعداه إلى القلب وجمیع جوارح الإنسان، مما یساعد على انتقال الإنسان إلى مرحلة السمو عن الأشیاء الدنیویة التی تنزع إلیها النفس البشریة. فضلا عن الزهد الذی یعد جوهر التصوف، لان الزهد بمعناه الحقیقی یجعل الإنسان یتخلى عن مغریات الحیاة الدنیا والتوجه إلى الآخرة. ولتحقیق ذلک، یرى الشبلی، ان ذلک یمکن الاستشعار به من خلال ظاهرة المحبة فی (الله ولله تعالى)، وعندها تتقرب روح الصوفی من الفیوضات الربانیة المبارکة. وتطرق المحور الثالث إلى التصوف والتوحید فی فکر الشبلی، إذ یعد التوحید احد أهم الأبعاد الفاعلة فی تجربة الشبلی الصوفیة، لان إدراکه لمعنى الاحدیة (لله تعالى) فتحت أمام روحه أفاقاً إیمانیة مطلقة من استحضاره الدائم للواحد الأحد فی قلبه، مما ساعده فی توصیف معنى التوحید بمدى غیر متناهی إلى الحد الذی جعل من حبه (لله تعالى) دیمومة مبارکة أدت به أحیانا إلى التعبیر عنها بأسلوب صوفی قد لا یکون متعارفاً علیه، وهذا ما یعرف فی الأدب الصوفی بالشطحات الصوفیة. وتناول المحور الرابع، حقیقة شطحات الشبلی، والتی کانت موضع نقاش موسع، وذلک لان الشبلی کان ینطق بکلمات فی حالة وجده غیر ما کان ینطق فی حالة صحوة، ولکنه فی کلا الحالتین لا یخرج عن محبته (لله تعالى). ومن هنا، تظهر أهمیة دراسة هذه الشخصیة ودورها فی التصوف الإسلامی.