من النظم الى الاسلوب : مدخل نظری لدراسة أنماط الاستبدال اللغوی فی العبارة القرانیة
الملخص
لقد شغل الناس بالقرآن الکریم منذ عهد النبوة حتى الآن ، لما جاء به من جدید فی أسالیب التعبیر ، وما عرضه من النظم و اسرار التشریع ، وما رسمه للحیاة الانسانیة من دساتیر اجتماعیة ، واقتصادیة ، وسیاسیة ، و علمیة ، زلزلت دعائم الحضارتین الفارسیة و البیزنطیة یومئذ ، فصحت البشریة على نداء الدین الجدید الداعی إلى الحریة ، و السلام ، والعدل ، والتضامن الاجتماعی والانسانی ، فأنضوت تحت لوائه الأمم والشعوب ، وعلا صوت الحق : (یا ایها الناس إنا جعلناکم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أکرمکم عند الله أتقاکم إن الله علیم خبیر ) .وقد تنوعت الدراسات القرآنیة ، وکثر فیها القول، وتعددت وجهات النظر ، وتشعبت الآراء ، وکان من بینها ما تناول هذه المعجزة القرآنیة بالبحث اللغوی ، والدراسة المتطلعة للوقوف على منابع التدفق الفکری فی هیاکلها التعبیریة ، وأبنیتها الأسلوبیة المؤثرة ، وعلى الرغم من ان عبدالقاهر الجرجانی (471هـ) قد اخرج الدراسات القرآنیة من إطار التقلید إلى أفق فنی أقام فهمه فیه على فکرة النظم ، و تعلیق الکلم بعضها ببعض وجعل بعضها بسبب من بعض ، وربط ذلک کله بالنحو قائلا " واعلم أن لیس النظم إلا أن تضع کلامک الوضع الذی یقتضیه علم النحو ، وتعمل على قوانینه وأصوله ، وتعرف مناهجه التی نهجت ولا تزیغ عنها ، وتحفظ الرسوم التی رسمت لک فلا نخل بشیء منها، ، ثم حاول الزمخشری (ت ۳۸ه هـ) فی تفسیره تطبیق ما ذهب إلیه فی هذا الاتجاه ، فإن الفکرة وتطبیقاتها بقیت فی حدود المحاولة النظریة الضیقة ، لأنها لم تشمل النصوص القرآنیة کلها ، وظلت غیر قادرة على تأطیر الفهم الأسلوبی الکامل للغة القرآن . والسوب غیر اللغة ، و اذا کانت اللغة هی ثوب الفکر ، فإن الأسلوب هو فصال ذلک الثوب وطرازه الخاص